مسيرة دنيا أبو طالب في التايكوندو
في عالم الرياضة، حيث تتجلى القوة والمهارة والتحدي، تبرز رياضة التايكوندو كفن قتالي يعتمد على السرعة والدقة والتوازن، وعندما نتحدث عن التايكوندو للسيدات، نجد أنفسنا أمام مشهد يعكس القوة والجمال والعزيمة، إنها لعبة تتخطى حدود القوة البدنية لتصل إلى عمق الروح والإرادة، يعد التايكوندو للسيدات ميدانًا حيث تتلاقى الأنوثة والقوة في تناغم فريد، فاللاعبات ينقلن لنا قصصًا من الإصرار والتحدي، ويظهرن كيف يمكن للإرادة أن تكسر الحواجز وتتجاوز الصعاب، في هذا المقال نتحدث عن بطلة سطع نجمها في هذه اللعبة، خاصة في أولمبياد باريس 2024، هي البطلة السعودية المتألقة دنيا أبو طالب.
من هي دنيا أبو طالب؟
هي أبنة السعودية، البالغة من العمر 27 عامًا، والحائزة على تخرجت في كلية الحقوق، وهي أول لاعبة سعودية تحصل على ميدالية آسيوية في رياضة التايكوندو.
مشوار دنيا أبو طالب في عالم التايكوندو
ولدت دنيا في بيت رياضي، ومنذ سنوات الطفولة وجدت نفسها في بيت داعم، غرس بها حب الرياضة وشجعها عليها، قصتها الملهمة بدأت في سن الثامنة بدعمٍ من والدها، حيث تدربت في المنزل، وحينها اتى والدها بمدرب خاص حتى تتمكن من أساسيات اللعبة وتدرب على كل جوانبها، وعلى الرغم من التحديات في مجال يهيمن عليه الرجال، وبفضل إصرارها ودعم عائلتها استطاعت الالتحاق بنادي الصبيان إلى جانب أخيها، حتى بلغت من العمر الـ 13، لكن بعد مدة منعت من ارتياد نادي الصبيان ليتولى مدرب أخيها مهمة تدريبها من المنزل مرة أخرى.
وفي عام 2015 انضمت الشابة الطموحة إلى الاتحاد السعودي لـ”التايكوندو” بتشجيع من ذلك المدرب السابق الذي علمها في الصغر، وبالفعل لم يمر سوى عام واحد فقط، حتى بدأت في صنع الإنجازات وحصد النجاحات، ففي عام 2016 حصلت على الميدالية الذهبية في بطولة أندية العالم التجريبية، والتي اقيمت في الأردن وقتها، وخلال الأعوام التالية توالت الإنجازات وباتت الأرقام القياسية والميداليات تلاحق البطلة السعودية على الصعيدين الآسيوي والعالمي، ومن أبرزها عندما توجت لاعبة المنتخب السعودي بالميدالية البرونزية عالميًّا وآسيويًّا خلال عامي 2022 و 2023.
قصة دعم المنتخب السعودي والاتحاد السعودي للتايكوندو لدنيا أبو طالب
على أرض الشمس والرمال، حيث تتوهج العزائم، كانت دنيا تنسج من الألم إرادة لا تلين، فقد أحاطتها رعاية الاتحاد السعودي للتايكوندو والمنتخب السعودي، كعراب يمنح الحكمة والدعم، وعندما همت بإغلاق باب المنافسة خلفها في عام 2020، إثر إصابتها، إلا أن تلك الإصابة لم تنل من عزيمتها، وكان الاتحاد السعودي يقف لها بالمرصاد، رافضًا استسلام ابنته الغالية، مانحًا إياها القوة لتتجاوز العقبات، وبفضل هذا الدعم، أحرزت دنيا البرونزية بعدها بعامين، مُعلنةً عن بزوغ نجمة سعودية في سماء التايكوندو العالمية، أيضًا لم تتوقف مسيرتها عند هذا الحد، بل تابعت لتزين صدرها بميدالية فضية في وزن (53) كجم ببطولة تركيا الدولية لعام 2023، مُسجلةً اسمها في سجل الأبطال.
كما كرمها الاتحاد السعودي بعد أن حصدت المركز الثاني والميدالية الفضية في بطولة كأس رئيس الاتحاد الدولي للتايكوندو في القاهرة، وحققت إنجاز أعلى حين تم تصنيفها رقم (4) في تصنيف الاتحاد الدولي للتايكوندو لوزن (-53) كجم، وهذا الرقم لم يصل إليه أي سعودي من قبل.
أيضًا بفضل دعم المنتخب السعودي لها وتوفير كل شيء لها، احتلت دنيا أبو طالب المرتبة التاسعة في قائمة أفضل عشر لاعبات تايكوندو في العالم، وحصلت على جائزة أفضل لاعبة عربية بالإضافة إلى جائزة “أفضل إنجازٍ عربي” لتأهلها كأول سعودية إلى أولمبياد باريس 2024.
دنيا أبو طالب في أولمبياد باريس 2024
حلقت دنيا أبو طالب إلى باريس بأحلام تسعى من خلالها إلى الظفر بالميدالية الذهبية في بطولة الأولمبياد، وبهذه المناسبة علقت قائلة: “المنافسة ضخمة والطموح ذهب وكوني أول امرأة سعودية يعد تحديًا كبيرًا بالنسبة لي، وأطمح لرفع اسم السعودية على منصة الأولمبياد”. يعكس هذا الطموح والإصرار التقدم الذي أحرزته الرياضة النسائية في المملكة، ويدلل على قدرة النساء السعوديات على التنافس في الساحة الدولية بقوة وثبات.
وبالفعل بدأت دنيا في اجتياز مرحلة تلو الأخرى في المسابقة، وفي لحظة تاريخية للرياضة السعودية والعربية على حد السواء، صنعت لاعبة التايكواندو الموهوبة دنيا أبوطالب الحدث في أولمبياد باريس، ببلوغها ربع نهائي وزن تحت 49 كيلوغراما على حساب الإسرائيلية أفيشاي سيمبيرغ، وتغلبت البطلة السعودية على منافستها الإسرائيلية بنتيجة 2-1 بعدما اكتسحتها بالجولة الثالثة بنتيجة 10-0.
وفي وقت كانت تحتفل فيها دنيا أبوطالب بالفوز والتأهل للدور المقبل، ظهرت منافستها الإسرائيلية، وهي تذرف الدموع أثناء مغادرتها القاعة التي أقيمت فيها المواجهة، في مشهد يشفي الصدور التي تتطلع نحو أي انتصار عربي في هذه المنافسات.
نافست دنيا أبو طالب بعدها على الميدالية البرونزية، لكنها مع الأسف خسرت أمام نظيرتها موبينا نعمت بنتيجة 2-0، ليرفع الستار على مشوارها في أولمبياد باريس 2024، لكننا نتوقع منها المزيد مستقبلًا.
في ختام مقالنا عن البطلة السعودية دنيا أبو طالب، نقف إجلالًا وتقديرًا لما قدمته من إنجازات في رياضة التايكوندو، لقد أثبتت دنيا أن الإرادة والعزيمة لا تعرف الحدود، وأن الطموح يمكن أن يتخطى كل العقبات، كما نأمل أن تكون رحلة دنيا أبو طالب الملهمة بمثابة شعلة تضيء درب الأجيال القادمة، وأن تستمر في تحقيق المزيد من الإنجازات التي ترفع اسم المملكة عاليًا في سماء الرياضة العالمية، وإلى ذلك الحين، نقول لها: شكرًا دنيا، لأنكِ أظهرتِ للعالم ما يمكن أن تحققه الإرادة، وما يمكن أن تفعله المرأة.