رحلة إصرار كيليا نمور نحو الذهب الأولمبي
تبرز لعبة الجمباز كواحدة من أكثر الألعاب إثارة وجمالاً، حيث تجمع بين القوة والمرونة والجمال الفني، الجمباز ليس مجرد رياضة، بل هو فن يتطلب التفاني والإتقان والشغف، يعود تاريخ الجمباز إلى الحضارات القديمة، حيث كان يُمارس كجزء من التدريبات العسكرية والتحضيرات البدنية، ومع مرور الزمن تطورت هذه الرياضة لتصبح أحد أبرز الألعاب الأولمبية، في هذا المقال، سنتحدث على أحد أبرز نجمات اللعبة، عن كيليا نمور، الجزائرية التي سطرت اسمها في أولمبياد باريس 2024، فلنبدأ رحلتنا مع البطلة الجزائرية حيث الإبداع والتألق لا حدود لهما.
من هي كيليا نمور؟
ولدت كيليا نمور في فرنسا عام 2006، لأم فرنسية وأب جزائري، لتحمل الجنسيتين الفرنسية والجزائرية، وبدأت ممارسة لعبة الجمباز صحبة شقيقتها منذ نعومة أظافرها.
رحلة كيليا نمور في عالم الجُمباز؟
بدأت رحلة النجمة الصاعدة في عالم الجمباز عندما كانت في الرابعة من عمرها، وسرعان ما تطورت وأثقلت موهبتها، ففي الحادية عشر من عمرها لفتت الأنظار بموهبتها الفذة، ولم تلبث أن شقت طريقها نحو المنافسات الدولية مع فريقها أفوان، لتنضم بعد ذلك إلى صفوف الفريق الوطني الفرنسي للجمباز للناشئين، وفي عام 2019، وهي في سن الثانية عشرة، شاركت في بطولة البحر المتوسط، حيث كانت عنصرًا محوريًا في تحقيق فرنسا للمركز الثالث ضمن الفرق، وتألقت بشكل لافت لتحصد المركز الأول في الفردي العام، وفي مسابقتي العارضتين غير المتوازيتين وعارضة التوازن.
استمرت نمور في تحقيق التقدم والتفوق، حتى وهي تنافس ضمن فئة الناشئين، متفوقة على العديد من اللاعبات المحترفات الأكثر خبرة، وقد أسهمت بشكل كبير في فوز فرنسا وناديها أفوان بالعديد من الجوائز والألقاب،. ومع حلول عام 2021، ورغم أنها كانت لا تزال ضمن فئة الناشئين، واجهت نمور تحديات صحية، إذ عانت من التهابات في العظام والمفاصل، مما استدعى خضوعها لعمليتين جراحيتين في الركبتين وهي في سن الرابعة عشرة، مما يعكس قوة إرادتها وتصميمها على التغلب على الصعاب.
لم تستسلم كيليا بسبب حالتها الصحية، بل عادت سريعًا وحلقت مرة أخرى في سماء عالم الجمباز، حيث أنها عادت مرة أخرى للتدريبات في مارس 2022، على أمل تحقيق حلمها بتمثيل فرنسا في أولمبياد باريس 2024.
2024 تحديات مفاجأة واجهت كيليا نمور قبل أولمبياد
كانت تأمل كيليا نمور حاملة الجنسية الفرنسية بتمثيل فرنسا في الأولمبياد، كما هو الحال أي مسابقة، إلا أن الأمور بدأت في التحول في معها على نحو غير متوقع، فبالرغم من موافقة طبيبها الخاص ومدربها في النادي على عودتها للتدريبات، إلا أن طبيب المنتخب الفرنسي لم يرغب في ذلك، كما كان الاتحاد الفرنسي للجمباز يرغب في أن تترك نمور ناديها في أفوان وتتدرب في العاصمة باريس تحت إشرافهم، وهو ما رفضته اللاعبة.
ونتيجة لذلك، ونظراً لتعنت الاتحاد الفرنسي معها، قررت نمور تغيير جنسيتها وتمثيل الجزائر، لتتقدم بطلب للاتحاد الدولي للجمباز، الذي وافق على تغيير جنسيتها للجزائرية، إلا أن القوانين في هذه الحالة تتطلب موافقة اتحاد البلد الأصلي، أو البقاء لمدة عام كامل دون مشاركة في منافسات دولية تخضع لإشراف الاتحاد الدولي للجمباز قبل تمثيل البلد الجديد.
و بالطبع كما هو متوقع رفض الاتحاد الفرنسي للجمباز طلب نمور، وتعنت في السماح لها بتمثيل الجزائر دوليًا، لتقرر البقاء لمدة عام إضافي دون مشاركة في بطولات دولية رسمية، كبطولة العالم وبطولة إفريقيا، ثم تمكنت من الانضمام إلى الفريق الجزائري في البطولة العربية، التي لم تحظ بالاعتراف الرسمي من الاتحاد الدولي للجمباز، وقد أسهمت بشكل فعّال في تحقيق الجزائر للميدالية الذهبية في مسابقة الفرق.
بعد أن أتمت نمور عامها السادس عشر، أصبحت مؤهلة للمنافسة في البطولات الدولية للكبار، وكانت أمامها فرصة لتقليص الفجوة نحو المشاركة في الأولمبياد، شريطة مشاركتها في بطولة العالم والتصفيات المؤهلة لها، وهي بطولة إفريقيا، ولكي تتمكن من المشاركة في هذه البطولة، كان لزامًا على الاتحاد الفرنسي للجمباز أن يمنحها الإذن بتغيير جنسيتها الرياضية.
ومع اقتراب نهاية العام الفاصل بين تمثيلها لفرنسا والجزائر في يوليو 2023، وبعد شهرين فقط من بطولة إفريقيا، انتشرت قصة نمور بين عشاق الجمباز والرياضيين والمدربين حول العالم، مما أدى إلى تدشين عريضة تلقت توقيعات بالآلاف، تطالب رئيس الاتحاد الفرنسي للجمباز بالسماح لنمور بالانتقال إلى الجزائر.
وفي ظل الضغط الشعبي، تمت مناقشة القضية على الهواء مباشرة في أحد البرامج التلفزيونية، حيث شارك ستة من لاعبي الجمباز الفرنسيين السابقين في الحديث عن التجارب السلبية التي مروا بها مع الاتحاد الفرنسي للجمباز/ وعقب هذا البرنامج، أطلقت وزيرة الرياضة والأولمبياد الفرنسية تحقيقًا أدى إلى تبرئة نمور، مما مكّنها أخيرًا من الانضمام إلى الجزائر في التصفيات العالمية والأولمبية، قبل شهرين من انقضاء العام.
تألق كيليا نمور مع الجزائر في أولمبياد باريس
وصلت كيليا إلى أولمبياد باريس محملة بآمال الجزائريين، وفي منافسات الفردي العام احتلت المركز الخامس، أعلى مركز وصله أي لاعب جماز إفريقي في الأولمبياد، قبل خوض نهائيات العارضتين غير المتوازيتين، والتي تبرع فيها اللاعبة الشابة، استطاعت تقديم أداءٍ أبهر الحضور، لتهتف لها الجماهير الحاضرة في المدرجات وغالبيتهم من الفرنسيين، بعدما حققت 15.700، لتتصدر الترتيب وتفوز لاحقًا بالميدالية الذهبية، في حدث تاريخي، لأنه بهذا الفوز اصبحت أول لاعبة جزائرية وإفريقية وعربية تفوز بميدالية أولمبية في الجمباز في الأولمبياد، أول ذهبية للجزائر منذ أولمبياد لندن 2012، وسادس ميدالية أولمبية ذهبية في تاريخ الجزائر.
إنجازات كيليا نمور مع الجزائر
شاركت كيليا في عدة بطولات ممثلةً للجزائر، وقد حققت إنجازات ملحوظة في مسيرتها الرياضية، منذ انضمامها للفريق الجزائري، نمور قد حققت الآتي:
- شاركت في البطولة العربية، حيث ساعدت الجزائر في الفوز بالميدالية الذهبية في مسابقة الفرق.
- في عام 2023، شاركت نمور في بطولة العالم في أنتويرب، حيث تأهلت لنهائيات الجمباز الفني على العارضة المتوازية وحصلت على الميدالية الفضية، مما جعلها أول جمباز جزائرية تحقق ميدالية في بطولة العالم.
- تُوجت بلقب بطولة إفريقيا في الفردي العام وفرق السيدات.
- حيث فازت بالميدالية الذهبية في منافسات العارضة المتوازية بأولمبياد باريس، لتصبح بذلك أول جمباز من أي دولة أفريقية تفوز بميدالية أولمبية.
وأخيرًا، تُعتبر قصة كيليا نمور مصدر إلهام للعديد من الرياضيين الشباب، حيث تُظهر كيف يمكن للإصرار والعزيمة أن يُحققا النجاح حتى في مواجهة الصعوبات والتحديات، وتُعد نمور مثالًا للتميز الرياضي والتفاني في تحقيق الأهداف.