الكوفية الفلسطينية ثورة شعب وتاريخ نضال
بين تاريخ راسخ في الأذهان، ورمزية وطن يتحدى الاحتلال والاستيطان، بين ماضٍ مقاوم وحاضر لا يستسلم ومستقبل لن يُتنازل عنه، في هذا المقال، نتحدث عن الكوفية الفلسطينية، رمز القضية الحي، نتحدث عن صمود تلك القماشة البسيطة التي تقف منذ أكثر من ستين عام مواجهةً انتهاك وصرخات لأجيال شاهدة على لا منطقية الأمس وهمجية اليوم وخوف الغد، هنا موطن الكوفية الفلسطينية، هنا حيث التهجير والتنكيل واغتصاب الحق قبل الأرض، هنا موصلة القضايا وأكبرها، هنا فلسطين.
أصل الكوفية الفلسطينية من الألف إلى الياء
الكوفية بشكل عام هي نوع من الأوشحة التي ترتديها الرجال في بعض الأقطار والبقاع العربية، وبشكل خاص فالكوفية في فلسطين تتميز بنقشاتها المربعة السوداء والبيضاء، وتعتبر رمزاً للهوية والمقاومة الفلسطينية، فالحكاية تعود بنا إلى الفلاح الفلسطيني الذي اعتاد أن يرتدي تلك القماشة على رأسه وهو يعمل بأرضه كي تحميه من حر الشمس وبرد الشتاء ولكن ذلك لم يدم طويلًا، فذلك الفلاح لم يزرع بفأسه طويلًا، وسرعان ما وجد نفسه أمام عصابات محتلة تحاول سرقة أرضه عنوة، وذلك الفأس الذي كان يستخدمه للزراعة والغرس، سرعان ما تحول إلى أداة دفاع يحاول بها الدفاع عن نفسه وأرضه وعرضه، لذلك ارتبط اسم الكوفية الفلسطينية ورسمها بنضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال البريطاني وتألقت في أحداث عام 1936م ، حين تلثم المناضلون والمدافعون عن أرضهم بالكوفية لإخفاء ملامحهم أثناء نضالهم ضد الاحتلال البريطاني، والعصابات الصهيونية، تلك العصابات التي تحولت بعد ذلك إلى كيان محتل.
بين نقوش ودلالات هنا حكاية وطن وشعب
جميعنا يعرف شكل الكوفية الفلسطينية، نعرف ألوانها ولكن هل ندرك حقًا معنى نقوشها ورسوماتها؟ أو إلى أي شيء ترمز الكوفية الفلسطينية؟ إن الكوفية الفلسطينية ليست مجرد قماشة مكونة من لونين، وليست مجرد رمزًا للمقاومة والنضال ولكنها حكاية شعب وتاريخ وطن، قصة أناس عملوا بالزراعة والصيد، استعمروا الأرض وبنوها، ولهذا إن تمعنا في التفصيل مميز للكوفية الفلسطينية نجد أن نقشة أوراق شجر الزيتون متمثلة عليها، وهو ما طالما اشتهرت فلسطين بزراعته، وباتت تعبر عن الصمود والقوة والشجاعة، ثم نرى نقشة شبكة الصيد متجلية أمامنا بعد أشجار الزيتون، وهي ما تحكي عن تاريخ البحارة الفلسطينيين والبحر المتوسط، أما عن الخط الأسود العريض فهو يمثل طرق التبادل التجاري بين فلسطين وجيرانها على مدار الزمان.
وبسبب هذا طالما أرعبت الكوفية الفلسطينية المحتل الصهيوني، فهي خيوطٌ حيكت من حق وتفاصيل مزجت بتاريخ وطن أكبر من دولة الاحتلال نفسه، فالكوفية نفسها اعتراف بأحقية الأرض لأصحابها، وأملًا مطولًا ببقائه صامدًا أمامهم.
فالكوفية الفلسطينية هي بمثابة الوثيقة الثقافية والتاريخية والسياسية على حد السواء، فهي تحمل بين طياتها دلالات عديدة، منها التصدي للاستعمار والظلم والقمع، تُعبر عن الكرامة والحرية والعزة، فيها دلالة على التشبث بالتاريخ والجغرافيا، وأيضًا فيها مباهاة بالأصل والإرث.
الكوفية الفلسطينية والحركة الوطنية
في بدايات القرن الماضي وعندما وقعت فلسطين تحت سطوة الإنتداب البريطاني، بدأت مجموعات من المواطنين والشباب بعمليات مقاومة لذلك الاحتلال، وكان أغلبهم يرتدي الكوفية التاريخية، وحينها بدأ الإنجليز باعتقال كل من يضع الكوفية على رأسه ظنا منهم انه من الثوار فأصبحت مهمة الإنجليز صعبة باعتقال الثوار بعد أن وضعها كل شباب وشيوخ القرى والمدن، فبدأت الكوفية الفلسطينية من هنا كرمز كفاح ضد الاحتلال.
وفي القرن العشرين، خاصة بعد نكبة عام 1948، حيث هجر مئات الآلاف منهم من أرضهم قسرًا في ستينات وسبعينات القرن الماضي، ارتبطت الكوفية بحركات التحرير الوطني، وخاصة حركة فتح والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. كان يرتديها قادة مثل ياسر عرفات وجورج حبش وليلى خالد، وأصبحت رمزاً للثورة والكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي. في عام 1987، اندلعت انتفاضة الحجارة، وارتدى المحتجون الكوفية كغطاء للوجه لحماية من الغازات المسيلة للدموع التي تطلقها قوات الاحتلال باتجاههم. وفي عام 2000، اندلعت انتفاضة الأقصى، وظهر صورة طفل فلسطيني يقف خلف أبيه المحمي بالكوفية، وأصبح رمزاً للشجاعة والصمود، واقترنت بالفدائية كما يقترن السلاح بالمقاتل.
لذا اقترنت الكوفية عند شعوب العالم أجمع باسم فلسطين ونضاله ضد العدو الصهيوني، وتجاوزت بذلك كل الحدود الجغرافية لتصبح رمزاً لقضية العادلة لوطنٍ موجود وباقي، فباتت رمزًا للوقوف مع أصحاب الأرض والمقدسات، لذا كانت وما زالت حاضرة دائما في كافة المناسبات والأنشطة على جميع مستوياتها، لتكون بلا منازع أبرز إشارة مرتبطة بقضية فلسطين وحقوق شعبها.
هنا بعض الأفكار لكيفية ارتداء الكوفية الفلسطينية
الطريقة التقليدية: وهي التي تلف فيها الكوفية حول الرأس وتثبت بحلقة معدنية أو خيط، تلك الطريقة تستخدم للحماية من البرد والحرارة والغبار، وتعبر عن الانتماء إلى فلسطين.
الطريقة الثورية: تلف الكوفية حول العنق وتترك طرفيها متدليين على الصدر، وعادة ما تُستخدم تلك الطريقة للتعبير عن الرأي أو للتظاهر والاحتجاج، وتعبر عن التضامن مع الكفاح الفلسطيني الشعبي.
الطريقة العصرية: وهي طريقة تلائم مسار الموضة، فيه تُلف الكوفية بأشكال مبتكرة ومتنوعة، مثل السكارف أو الشال أو الباندانا. هذه الطريقة تستخدم للزينة والموضة، وتعبر عن التنوع والإبداع.
وختامًا نؤكد أن شباب وشابات وأطفال فلسطين بل إن الشعب الفلسطيني كافة باختلافات عقائده السياسية والدينية، يتمسك بكوفيته التي فيها كرامته وعزته، وجميعهم يشاركون في رسم ملامح الملحمة الشعبية المستمرة منذ الأزل وحتى يومنا هذا، مواجهين بصدورهم العارية طلقات الرصاص الغادرة من قبل محتل لا يعرف للإنسانية طريق ولا يعرف للرحمة سبيل وسط صمت العالم المخزي والقاتل.